خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 7 من رجب 1442هـ - الموافق 19 / 2 /2021م
الرُّقَى الشَّرْعِيَّةُ وَالتَّحْصِينَاتُ النَّبويَّةُ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران 102].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَمِنْ مَحَاسِنِ دِينِهِ أَنْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى جُمْلَةٍ مِنَ الأَذْكَارَ وَالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ حُزْمَةً مِنَ التَّحْصِينَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ، الَّتِي بِهَا يَحْفَظُ اللهُ تَعَالَى عَبْدَهُ مِنْ شَرِّ الشَّيَاطِينِ وَالجَانِّ، وَمِنَ الأَوْبِئَةِ وَالأَمْرَاضِ، وَوَكَّلَ بِعِبَادِهِ مَلَائِكَةً تَحْفَظُهُمْ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ( [الرعد:11].
فَمِنَ الأَذْكَارِ وَالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَالعَافِيَةُ مِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ وَالأَبْدَانِ، قَالَ تَعَالَى: ]وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا[ [الإسراء:82]، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِإِعْمَارِ القُلُوبِ وَالبُيُوتِ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ، كَسُورَةِ البَقَرَةِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَمِنَ الأَذْكَارِ وَالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ أَيْضًا سُورَةُ الفَاتِحَةِ وَالمُعَوِّذَتَانِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وَآيةُ الكُرْسِيِّ؛ مَنْ قَرَأَهَا لَا يَزَالُ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا جَاءَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَأَذْكَارِ النَّوْمِ، وَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَأَذْكارِ السَّفَرِ، وَنُزُولِ المَكَانِ، وَأَذْكَارِ الكَرْبِ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْهَمِّ، وَذِكْرِ اللهِ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ، وَالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَعِنْدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَيَذْكُرُ الْعَبْدُ رَبَّهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ.
وَمِنْ هَذِهِ الأَذْكَارِ: مَا إِذَا قَالَهَا العَبْدُ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ؛ فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إِلَّا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]، وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنْهَا: مَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَقُولُ: «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ»، وَيَقُولُ: «هَكَذَا كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
فَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى – عَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَحِفْظِ هَذِهِ الأَذْكَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ صَحِيحِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْدِادِهَا صَباحَ مَساءَ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِ كُلِّ شَيطَانٍ وَهَامَّةٍ وَآفَةٍ وَمَرَضٍ، وَاللهُ خَيرُ الحَافِظِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
مِنَ التَحْصِينَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالنَّبَويَّةِ: مَا وَرَدَ مِنَ الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الأَكْلِ وَالمَلْبَسِ وَالنَّظَافَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي وِقَايَةِ العَبْدِ مِنِ انْتِقَالِ الأَمْرَاضِ وَانْتِشَارِهَا، مِثْلِ عَدَمِ مُخَالَطَةِ المَرْضَى بِمَرَضٍ مُعْدٍ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَأَنْ لَا يَتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ، وَأَنْ لَا يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ إِذَا اسْتَيقَظَ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، وَإِذَا عَطَسَ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ، وَأَرْشَدَ إِلَى تَنْظِيفِ اللِّبَاسِ وَالنِّعَالِ وَالْأَفْنِيَةِ وَالدُّورِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حِرْصِ الإِسْلَامِ عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى الإِنْسَانِ وَصِحَّتِهِ وَحِمَايَتِهِ وَتَحْصِينِهِ، وَقَدْ ظَهَرَتِ الفَائِدَةُ الجَلِيلَةُ وَالْحِكْمَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مَعَ انْتِشَارِ الأَوْبِئَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ دِينٍ امْتَازَ عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ!!.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فِي كِتَابِهِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَاحْفَظِ اللَّهُمَّ بَلَدَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَشَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَنَا، وَاجْمَعْ عَلَى الْخَيْرِ كَلِمَتَنَا، وَطَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَنَا وَأَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ, إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة